بقلم: الدكتورة / أميرة أحمد فائق عبد العزيز
قسم: صحة الأغذية – معهد صحة الحيوان
السموم الفطرية هى عبارة عن مركبات سامة تنتجها بعض أنواع الفطريات ( العفن) بطريقة طبيعية
حيث تنمو هذه الفطريات على العديد من الأغذية مثل الحبوب و الفاكهة المجففة و الثمار الجوزية و التوابل،
وذلك اما قبل الحصاد أو بعده أو اثناء التخزين فى ظروف الحرارة و البلل و الرطوبة المناسبة
ثم تبدأ هذه الفطريات فى انتاج سمومها حين تتوفر لها الظروف البيئية و الغذائية المناسبة.
وتبدأ قصة اكتشاف السموم الفطرية فى الأربعينيات من القرن الماضى حيث حدثت وفاة جماعية فى روسيا
و تناولتها الصحف و لم يعرف السبب وقتئذ ولكن أشارت الأبحاث فيما بعد أن التلوث الغذائى بالتريكوثينات
(أحد أنواع السموم الفطرية) هو السبب فى موت الألاف فى روسيا فى ذلك الوقت.
تعد السموم الفطرية من أقوى السموم المعروفة و التى تسبب أمراضا خطيرة بتراكيز ضئيلة تصل إلى أقل
من 15 جزء فى المليون و يرجع السبب فى خطورتها إلى كونها مقاومة للحرارة بدرجة يصعب اتلافها
بواسطة المعاملات الحرارية التقليدية المستخدمة فى عمليات التصنيع
و الطهى كالغليان و البسترةكما انها تقاوم التحلل خلال عمليات الهضم التى تحدث فى الجهاز الهضمى،
و السبب الثانى أنها تنتشر بسرعة من مستعمرات الفطر إلى الأغذية لذلك فإن إزالة الأجزاء المصابة بالفطر
من الأغذية كما يفعل الكثيرون لا يؤدى إلى التخلص الكامل من السموم الفطرية المتكونة فى هذه الأغذية ،
و المشكلة الأخرى أنها لاتستحث الجهاز المناعى فى الجسم كى يتمكن من الكشف عنها و تكوين أجسام مضادة
لها و ذلك لأنها ذات أوزان جزيئية منخفضة، و لذا يجب تجنب نمو الفطريات فى الأغذية.
و يمكن أن يتعرض الجسم للسموم الفطرية بشكل مباشر عن طريق تناول أغذية ملوثة بتلك السموم أو على
نحو غير مباشر عن طريق تناول منتجات الحيوانات التى تغذت على أعلاف ملوثة و لاسيما لحوم و حليب تلك الحيوانات.
و تكون أعراض التسمم بالسموم الفطرية المنقولة بالأغذية اما حادة تظهر سريعا نتيجة استهلاك تراكيز عالية من المنتجات الغذائية
الملوثة بالسموم الفطرية مسببة التهاب الكبد و الكلى و نزف أغشية الفم و الأمعاء و يمكن أن يؤدى الى الوفاة ,
وقد ترتبط بعض السموم الفطرية الموجودة فى الأغذية باثار طويلة الأجل على الصحة
نتيجة استهلاك تراكيز منخفضة لفترات طويلة بما فى ذلك السرطان و نقص المناعة.
أهم الفطريات المسؤلة عن انتاج أغلب السموم المهمة هى : الأسبرجيلس، و الفيوزاريوم ،و البنيسيليوم، و الألترناريا،
و قد ينتج الفطر الواحد أكثر من 200 نوع من السموم الفطرية التى تسبب مخاطر صحية للانسان والحيوان
و من أهمها الأفلاتوكسينات و الأوكراتوكسينات و الفوموبنزينات و الترايكوثينات و الباتيولين و الزيرالينون و الارجوتامين.
تعد الأفلاتوكسينات من أشد السموم الفطرية سمية و تنتجها بعض أنواع العفن ( اسبرجيلس فلافس و اسبرجيلس أوكراشيس و أسبرجيلس بارازيتيكس)
وهناك أربع أنواع أساسية من الأفلاتوكسينات و هى B1, B2, G1, G2
و يعتبر الافلاتوكسين ب1 هو الأكثر انتشارا و الأكثر سمية و الذى يتحول الى النوع ( M1) كناتج
تمثيل فى جسم الحيوان و الذى يفرز فى اللبن بينما يختزن جزء اخر من هذه السموم فى أعضاء
وأنسجة الجسم خاصة الدهنية منها مثل الكبد و الكلى و العضلات
و تشير الدراسات الى وجود علاقة طردية بين تلوث الغذاء بالافلاتوكسينات و حالات سرطان الكبد فى الانسان
كما سجلت بعض الابحاث حدوث حالات من سرطان القولون و الكلى و المعدة.
السموم الفطرية
كما ان تناول الأطفال اللبن المحتوى على السموم الفطرية قد يسبب التخلف العقلى حيث أثبتت الدراسات أن لبن الأمهات
أيضا يحتوى على الأفلاتوكسين M1 و الأوكراتوكسين بنسب و تركيزات مختلفة .
بالاضافة الى ذلك فان عمليات البسترة و التعقيم لاتؤثر على مستوى الأفلاتوكسين و كذلك عمليات التصنيع
فقد وجد أن الجبن المصنعة من حليب يحتوى على الأفلاتوكسين نسبته لم تتغير و بقى السم ثابت فى الجبن لمدة ثلاثة أشهر و لم يتأثر بالتخزين.
كما وجد أن الجبن المطبوخ يحتوى على نسبة أعلى من السموم الفطرية مقارنة بالجبن العادى.
و قد أثبت تواجده فى الأيس كريم حيث أنه لا يتأثر بعمليات التصنيع أو درجة حرارة التخزين المنخفضة للمنتج.
و هناك أيضا سموم الأوكراتوكسين و التى تلوث بعض أنواع الحبوب و التوابل أثناء تخزينها و تتسبب هذه السموم
أيضا فى عدد من الآثار السامة و أبرزها ضرر الكلى كما يؤثر أيضا على نمو الأجنة و الجهاز المناعى .
أما سم الباتيولين فهو سم فطرى يتكون فى بعض الفواكه و الحبوب و غيرها من الأغذية المتعفنة و على رأسها التفاح
و عصير التفاح المصنوع من الثمار الملوثة و هو يسبب الغثيان و الاضطرابات المعدية و القئ.
ولا يقتصر تأثير السموم الفطرية على الانسان فقط بل ان تناول الحيوان للاعلاف المحتوية على السموم الفطرية
يؤدى الى توقف النمو و نقص المناعة و فقدان الشهية و تقليل نسبة الحمل فى القطيع وحدوث اجهاض أو انتاج أجنة مشوهه.
و نظرا لسميتها الشديدة فان المستويات القصوى المسموح بها فى الأغذية طبقا للمنظمات الدولية متدنية للغاية, فمثلا المستويات القصوى للأفلاتوكسينات فى مختلف الأغذية تتراوح من 0.05 الى 15 ميكروجرام لكل كجم.
و نظرا لخطورتها الشديدة فان هناك عدة احتياطات يجب مراعاتها للحد من المخاطر الصحية الناجمة عن السموم الفطرية :
-
التجفيف الفعال للسلع و الحفاظ على جفافها و تخزينها على نحو ملائم لمنع نمو العفن و افراز السموم الفطرية.
-
فحص الحبوب الصحيحة ولاسيما الذرة و القمح و الأرز و الثمار الجوزية و الفواكه المجففة و التخلص منها اذا بدت متعفنة أو متغيرة أو منكمشة.
-
شراء الأغذية المنتجة حديثا و الطازجة قدر الامكان وبكميات قليلة و من مصادر موثوقة و عدم الاحتفاظ بها لفترات طويلة قبل استخدامها.
-
التأكد من تخزين الأغذية على نحو ملائم وتجنب تعرضها للحرارة الزائدة و الرطوبة و الحشرات.
-
اذا لاحظت نمو العفن على الغذاء ضعه فى كيس مغلق و تخلص منه بشكل كامل و لا تحاول أبدا قطع الأجزاء السليمة من الغذاء.
-
تخزين المحاصيل الحقلية فى أماكن مستوفية الشروط من حرارة و رطوبة و تهوية.
-
التعقيم الدورى لمخازن الحبوب و صوامع العلف.
-
القيام بحملات توعية من قبل وزارة الصحة و منظمات المجتمع المدنى و وسائل الاعلام المختلفة من مخاطر السموم الفطرية.