بقلم : الدكتورة / ولاء عبدالله محمد السيد
باحث (الفارماكولوجى) – قسم الكيمياء الحيوية والنقص الغذائي – معهد بحوث الصحة الحيوانية
مقدمة:
تؤثر المضادات الميكروبات على صحة الإنسان والحيوان، ولا يوجد مجال للشك بأن المضادات الحيوية تلعب دورًا مهمًا في النظام الصحي عالميًا.
المضادات
فمنذ الإکتشاف الأول لها عام 1930 و1940 ؛ تحديدا منذ اكتشف ألكسندر فلمنج للبنسلين عام 1928؛ والمضادات الحيوية تنقذ أرواحًا لا حصر لها، حيث تستعمل للعلاج أو للوقاية من العدوى البكتيرية، إذ أنها تقتل أو تثبط نمو الجراثيم، والآن وبعد 95 عاماً من اكتشاف البنسيللين، أصبحت مقاومة الميكروبات أزمة متصاعدة تشكل تهديدًا متزايداً وواسع الانتشار، مدفوعا بالافراط فى استخدام مضادات الميكروبات وإساءة استخدامها فى قطاعات الإنسان والحيوان والنبات.
مقاومة الميكروبات من أكبر المخاطر التي تحيق اليوم بالصحة العالمية والأمن الغذائي والتنمية، وتحدث مقاومة المضادات الحيوية عندما تحور البكتيريا نفسها استجابة لتلك الأدوية حيث يسمح لها بالنمو والبقاء على قيد الحياة فى ظل وجود المضادات الحيوية، حيث أن تعرض الميكروب بصورة متكررة للمضاد الحيوى يجعل الميكروب يطور آلية ويحمى نفسه من هجمات المضاد الحيوى وهذا بالضبط مبدأ resistance. يجدر الإشارة إلى أن جميع أنواع الكائنات الدقيقة تستطيع تطوير القدرة على المقاومة ضد الأدوية المستخدمة في علاجها؛ فبعض الفطريات تطور مقاومة ضد مضادات الفطريات، والفيروسات تطور مقاومة ضد مضادات الفيروسات، وعلى نفس النمط فالبكتريا تطور مقاومة ضد المضادات الحيوية.
مقالات متعلقة
المضادات الحيوية في الدواجن واللحوم
السيليمارين وأهميته في تقليل بقايا المضادات الحيوية في أنسجة الدواجن
بدائل المضادات الحيوية
المضادات الحيوية في المجال الطبي
مخاطر مقاومة المضادات الحيوية كبيرة جدا منها؛ ارتفاع التكاليف الطبية وتمديد فترة العدوى حيث تقلل مقاومة المضادات الحيوية من الخيارات العلاجية الفعالة ضد عدوى ما، ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض بل وزيادة خطر تفشي الأمراض المعدية وصعوبة السيطرة عليها أو تكرار الإصابة بها بسهولة، وزيادة معدلات الوفيات، حيث أنها خلقت أمراضاً تستعصي على العلاج، مما يؤدى الى وفيات من عدوى اعتيادية كانت من قبل قابلة للعلاج، لأن البكتيريا المسببة لها أصبحت الآن قادرة على مقاومة العقاقير.
يتم الاعتراف بمقاومة مضادات الميكروبات كسبب رئيسى للوفاة فى جميع أنحاء العالم، مع وجود أعلى الأعباء فى الأماكن منخفضة الموارد.
ويقدر ما يقارب بنحو 5 مليون حالة وفاة بشرية تعزى الى مقاومة البكتريا للمضادات الحيوية فى عام 2019، فضلا عن 1.27 مليون حالة وفاة فى عام 2022.
وفي العام نفسه، تشير الإحصائيات إلى أن الأيدز سبب وفاة 860 ألف شخص في العالم، بينما بلغ عدد ضحايا وباء الملاريا 640 ألف شخص.
ومن المتوقع أن تتفاقم مقاومة المضادات الحيوية، التي تُعد تحديا صحيا كبيرا، وقد تتسبب بوفاة أكثر من 39 مليون شخص بحلول 2050.
مقاومة المضادات الحيوية حقيقة طبيعية ومتوقعة، ولكن تتسارع وتيرة عمليتها بفعل سوء استعمالها عند إعطائها للإنسان والحيوان.
ونظرا لكثرة الاستخدام العشوائى للمضادات الحيوية في علاج أمراض الدواجن والماشية وكمحفز للنمو ظهرت سلالات مقاومة للعلاج.
كما أن مشكلة مقاومة مضادات الميكروبات لا تعني أن الخلية البكتيرية تصبح مقاومة لنوع معين من مضادات الميكروبات، ولكنها أيضا ستنقل قدرة المقاومة إلى سلالتها وكذلك إلى البكتيريا المحيطة بها.
سوء استعمال مضادات الميكروبات في القطاع البيطري يعد أمًرا خطيًرا نظرا لتأثيرها الثلاثى على انتشار مقاومة المضادات الحيوية لدى البشر.
يكون التأثير الأول من خلال الانتقال المباشر للبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية من الحيوانات إلى البشر، والثاني من خلال بقايا مضادات الميكروبات المحتمل وجودها في الأغذية ذات الأصل الحيواني، والتي قد تمكن البكتيريا داخل جسم الإنسان من بناء مقاومة ضد مضادات الميكروبات. أما التأثير الثالث، يحدث بسبب انتشار البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية من الحيوانات إلى البيئة.
أسباب مقاومة المضادات الحيوية:
-
الطفرات الجينية؛ حيث أنه قد يتعرض الحمض النووي في البكتيريا لحدوث طفرة، وهو أمر يعد جزء من التطور الطبيعي للكائنات الحية، ولكن بعض هذه التغيرات الجينية يسمح للبكتيريا بتجنب آلية عمل بعض المضادات الحيوية والنمو والتكاثر والبقاء على قيد الحياة بالرغم منها.
-
عملية النقل الأفقي للجينات، وهي تؤدي إلى انتقال وانتشار مقاومة المضادات الحيوية بين أنواع البكتيريا، حيث تستطيع البكتيرياتحويل المعلومات الوراثيّة بطريقة أفقيّة من جنس اكتسبها إلى جنس آخر لم يكتسبها بعد، وكأنها تمرر نصائح كي تساعد غيرها على النجاة، وتوجد حقيقة خطيرة أخرى وهي أن البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية يمكن أن تنتشر بين الحيوانات والبشر والبيئة.
-
سوء استخدام المضادات الحيوية ، وذلك يشمل الاستخدام غير الرشيد للمضادات الحيوية من قبل الأفراد دون تشخيص، أو استخدامها بغير ضرورة، كما في حالات الإصابة بالبرد والإنفلونزا والسعال وهى أمراض فيروسية لا يساعد استخدام المضادات الحيوية في علاجها، أولا يلتزم الأفراد بأخذ كامل الجرعة الموصوفة لهم من المضادات الحيوية وعدم اكمال الخطة العلاجية مما يسهم في زيادة مقاومة الجراثيم للدواء، أو التشخيص الطبيغير الدقيق، ووصف الطّبيب أدوية غير ضرورية والإفراط في وصف المضادات الحيوية ذات المجال أو الطيف الواسع، بدلاً من استخدام المضادات الحيوية ضيقة المجال التي تستهدف بشكل محدد البكتيريا المسببة للعدوى، وتوفر مضادات الميكروبات بسهولة لمنتجي الثروة الحيوانية والدواجن دون وصفة طبية من الطبيب البيطري ، ومع كل هذا الاستخدام المفرط خلق بيئة مناسبة للجراثيم لتطوير مقاومة المضادات الحيوية بسهولة.
-
استخدام المضادات الحيوية لغير أغراضها، مثل إضافتها إلى الأعلاف لتعزيز نمو الحيوانات من المواشى والدواجن، الأمر الذي يلعب دوراً في تعزيز المقاومة تجاه الأدوية.
-
قلة تدابير الوقاية من العدوى ومكافحتها وعدم الالتزام باجراءات الأمن والأمان الحيوى.
-
الآثار السلبية لبقايا مضادات الميكروبات في الأغذية ذات المصدر الحيواني والتغاضى عن فترة سحب المضادات الحيوية .
الحد من مقاومة المضادات الحيوية:
وتمس حاجة العالم إلى تغيير طريقة وصف المضادات الحيوية و ادارة استخدامها، وفى نفس الوقت يجب الحفاظ على فعالية المضادات الحيوية الحالية ومحاولة تمديد عمرها الافتراضي، حيث أنه لم يتم تطوير أي مضادات حيوية جديدة رئيسية في الثلاثين عامًا الماضية.
يمكن اتخاذ خطوات على جميع مستويات المجتمع للحد من تأثير تلك المقاومة وتقييد نطاق انتشارها. بحيث يقوم قطاع الزراعة في إطار سعيه إلى الوقاية من انتشار مقاومة المضادات الحيوية القيام بما يلي:
-
الحرص على عدم إعطاء المضادات الحيوية للحيوانات إلا بإشراف الطبيب البيطري ويجب على
مربي الحيوانات التوقف عن استخدام المضادات الحيوية بأنفسهم دون إشراف بيطري.
والالتزام بفترة سحب الدواء وهى تخلص الجسم من المضاد الحيوى، والتى تقتضى عدم السماح ببيع الحيوان أو منتجاته حتى يتم التخلص من متبقيات المضاد الحيوى، والتوقف عن استخدام المضادات الحيوية مباشرة قبل ذبح الحيوان للاستهلاك الآدمي.
-
التشخيص المرضى الدقيق ووصف مضادات حيوية ضيقة المدى بدلا عن المضادات الحيوية واسعة المدى، وعدم وصف مضاد حيوى الا بعد اجراء اختبار الحساسية، إيقاف استخدام المضادات الحيوية المخصصة للبشر للدواجن.
-
الحرص على عدم استعمال المضادات الحيوية لأغراض تعزيز النمو أو الوقاية من الأمراض.
-
مكافحة الأمراض المعدية والوقاية من العدوى ورفع مناعة الحيوانات و تعزيز النمو والتغذية المتوازنة مثل استخدام الأدوية العشبية، واستخدام أجسام مضادة محددة لمسببات الأمراض، والببتيدات المضادة للميكروبات، والعاثيات (بكتريوفاج)، كما يمكن أن تقدم جسيمات النانو ذات التأثيرمضاد البكتيريا قيمة إضافية.
-
يعد التحصين ضد الأمراض البكتيرية، والفيروسية، والأمراض المعدية الأخرى هو حجر الزاوية للحد من استخدام مضادات الميكروبات، حيث تعتبر اللقاحات هى الطريقة العملية المثلى وليست الوحيدة لمنع حدوث الأمراض.
-
الحصول على الكتاكيت من دجاج ذي صحة جيدة، ويتمتع بجينات وراثية جيدة، وغير مصاب بالأمراض لتقليل احتمالية حدوث المرض وبالتالى معدل استخدام مضادات الميكروبات.
-
تطبيق تدابير الأمن الحيوى فى المزارع واعتماد التنظيف والتعقيم بشكل دائم وصارم.
-
التوعية والأرشاد حيث أن نسبة كبيرة من منتجي الثروة الحيوانية والدواجن ليسوا على دراية بمقاومة مضادات الميكروبات أو طريقة حدوثها.
-
يوصى بعزل الحالات المعالجة بالمضادات الحيوية عن الحيوانات السليمة الأخرى بهدف تجنب تعرض الحيوانات السليمة لإفرازات وفضلات الحيوانات المعالجة التي توجد فيها المضادات الحيوية بتركيزات منخفضة.