بقلم: الدكتور/ محمد إبراهيم عبد الله سعد
مركز البحوث الزراعية- معهد بحوث الصحة الحيوانية– قسم بحوث الجينوم
سجلت العقود الأخيرة تقدمًا هائلًا في مجالات العلوم والتكنولوجيا، مما أتاح للبشرية إمكانيات جديدة لم تكن ممكنة من قبل.
وتعتبر التكنولوجيا الحديثة للتحرير الجيني واحدة من أبرز هذه التطورات، التي تمكن العلماء من تعديل الحمض النووي للكائنات الحية بدقة متناهية و يعد التحرير الجيني أحد الأدوات الأكثر إثارة وإمكانيات في العلم الحديث، ويمكن أن يكون له تأثيرات عميقة على العديد من المجالات بما في ذلك الطب والزراعة والبيئة وكذألك المجالات المختلفة، وتعتبر البيولوجيا الجزيئية من أهم المجالات التي أخذت اهتمام العديد من العلماء والمتخصصون الذين أشاروا إلى أنه من خلال التكنولوجيا الحديثة قد يتمكنوا يوماً ما من تحصيل كميات كبيرة من المعلومات الوراثية في وقت قصير للغاية، وهي مهمة صعبة للباحثين في الوقت الحالي وقد يساعد التقدم التكنولوجي في المستقبل الأطباء والباحثين على فهم ذلك والاستفادة منه في الدراسات الوراثية وعلوم الجينوم.
وتعتبر طرق التطور البيوتكنولوجى في علم البيولوجيا الجزئية من أهم العلوم التي يهتم بها العديد من العماء المتخصصون في هذا المجال، وفى السنوات الأخيرة تم تطوير طريقه للتحرير الجيني يطلق عليها اسم كريسبر-كاس9 أو ما يطلق عليها المقص الجيني وهو أحد أهم التطورات العلمية في القرن الحالي حيث يمكن من خلالها التطور في المجال الزراعي والطب البيطري والأهم الطب البشرى الذي بدأ بالفعل بالتطبيق في بعض الأمراض الخاصة بالعمى الوراثي.
كما يمكن الاهتمام بالتعديل الوراثي لبعض أنواع الحيوانات كالأبقار والأغنام لزيادة معدل النمو وزيادة نسبة اللحوم الحمراء وكذلك للحماية من الأمراض الفيروسية والبكتيرية المميتة التي قد تصيب هذه الحيوانات في المستقبل.
حيث تكمن فكرة أو آليه عمل كريسبر كاس 9 على النحو الآتي: يقوم العلماء بتحديد الجزيء المستهدف في الجين (DNA) وبعدها يقوموا بصنع سلسلة من الحمض النووي الريبوزى (RNA) بحيث تطابق الجزيء المستهدف وتعمل كدليل ويتم ربطها بإنزيم كريسبر كاس 9,وبعدها يقوم الحمض النووي الريبوزى بالربط على الجزيء المطابق له على الجينوم وعند هذه النقطة المستهدفة يقوم الإنزيم كريسبر كاس 9 بقطع خيط DNA وتتم عملية الإصلاح والاستبدال أو يقوم الحمض النووي بإصلاح نفسه ويمكن بعدها إدخال سلسلة الحمض النووي المعدلة هندسيا في جين آخر لإجراء المزيد من التعديل الجيني. كما تعتبر تقنية كرسيبر-كاس9 من أقوى الطرق التي جعلت عملية التحرير الجيني تكون أسرع وأدق وهذا يؤدى إلى توسع علمي جديد في جميع المجالات العلمية المختلفة، مثل النشاط المفرط لبعض الجينات الذي يؤدى لحدوث خلل جيني فيما يعرف بالتعبير الجيني، وفى هذه العملية تستخدم فيها المعلومات الجينية لصناعة البروتينات وغيرها من المنتجات الخلوية، فيما يتسبب تثبيط الجينات أيضاً للعديد من الأمراض مثل السرطان وكذلك الأمراض المناعية.
ومن ناحية أخرى حدث ترابط بين تقنية كرسيبر-كاس9 المستخدمة في التعديل الجيني وبين بروتين مصمم بواسطة الذكاء الاصطناعي الذي يساعد على نشاط بعض الجينات الخاملة بسبب مشكلة في النشاط الكيميائي داخل الخلايا، ويحدث هذا التغيير من دون حدوث تغير في تسلسل الحمض النووي للجينوم من خلال استهداف التعديلات الكيميائية التي تساعد على تجميع الجينات في الكرموسوم وتنظيم نشاطها وبالتالي لا تؤثر على نشاط الجينات في وظيفتها الخلوية، وحازت هذه التقنية على شهره واسعة لكونها آمنة لحد كبير للتعديل الجيني.
كما يأمل الباحثون أن تفتح هذه الدراسات مجالا جديدا لعلاج الأمراض الوراثية الناجمة عن الجينات الغير نشطه. ويعد التنبؤ بمخاطر المرض بناء على التركيب الجيني للفرد من إحدى المجالات التي تعتمد على التطور التكنولوجي بالفعل ولها تأثير كبير فمن خلال تحليل البيانات الجينية للفرد يمكن استخدام هذه المعلومات لتطوير خطط وتدخلات علاجية شخصية لمنع أو تخفيف تأثير هذه الأمراض. بالرغم من الإمكانيات الهائلة وكم الاستفادة العلمية والعملية من التحرير الجيني لا انها تواجه الكثير من التحديات والمخاطر التي يجب مراعا تها ومن ضمنها قضايا أخلاقية تتعلق بتعديل الجينوم البشري وتأثيرات ذلك على الأجيال القادمة وكذألك يجب ضمان أن التعديلات الجينية آمنة ولا تسبب آثارًا جانبية غير مرغوب فيها وعليه تحتاج تقنيات التحرير الجيني إلى إطار تنظيمي صارم لضمان الاستخدام الآمن.