فيروس طاعون المجترات الصغيرة ودور الجمال في نقل الفيروس

بقلم : الدكتور / ماجد رضا محمود محمد نافع 

  باحث مساعد  بـ  معمل الشلاتين -صحة الحيوان 

فيروس طاعون المجترات الصغيرة ودور الجمال في نقل الفيروس.. خسائر إقتصادية .. استراتيجية التحكم و الوقاية

فيروس  طاعون المجترات الصغيرة  هو فيروس معوي تنفسي معدى بالملامسة والاتصال للماعز، حاد الى تحت الحاد ، ويتميز بالتهاب الفم التآكلى ، التهاب الملتحمة ، إسهال والتهاب رئوى , فيروس عابر للحدود(TAD:Transboundary animal disease) يتميز بأنه حاد سريع الانتشار ويصيب أساساً المجترات الصغيرة(الماعز و الأغنام) و مشقوقات الحافر البرية وبعض الحيوانات المستأنسة القريبة للمجتر ات الصغيرة مثل الخنازير و قد أظهرت بعض الدراسات احتمالية اصابة الجمال بالفيروس,يسبب الفيروس أعراضا معوية و تنفسية ويكون عدد الحيوانات المصابة و النافقة عالي خاصة عند اصابة القطيع بالمرض لأول مرة ,وقد تم تسجيل الصابة بالفيروس  لأول مرة في ساحل العاج في عام 1942 , ويحدث الفيروس  آثاراً اقتصادية كبيرة في بعض مناطق إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا، حيث تساهم المجترات الصغيرة في كسب سبل العيش. و يعتبر طاعون المجترات الصغيرة أحد الأمراض المدرجة في قائمة منظمة OIE، مما يتطلب إبلاغمنظمة OIE بحدوث تفشياته وفقا للقانون الصحي لحيوانات اليابسة,وقد حددت منظمة OIE ومنظمة FAO في استراتيجيتهما المشتركة للسيطرة على طاعون المجترات الصغيرة واستئصاله، والقضاء على المرض بحلول عام 2030,وضعت قارة افريقيا استراتيجية  لمكافحة و استئصال الفيروس و التي يشار اليها (استراتيجية عموم افريقيا لاستئصال طاعون المجترات الصغيرة لعام 2015 ) من أجل مكافحة و استئصال فيروس المرض في افريقيا بحلول عام 2030 .

الفيروس المسبب للمرض:

فيروس طاعون المجترات الصغيرة ينتمي إلي جنس شبيه فيروس الحصبة “Morbillivirus“الذي يتبع عائلة أشباه الفيروسات المخاطية “Paramyxoviridae ” وهو وثيق الصلة بفيروس الطاعون البقري ,ويتكون الفيروس من خيط وحيد من حامض الريبوز النووى وهو فيروس هش للغاية و لايستطيع البقاء حياً خارج جسم الحيوان العائل إلا لبضع  ساعات فقط حيث يموت الفيروس بفعل اشعة الشمس خلال ساعتين كما أنه يفقد فعاليته بالاحماض و القلويات القوية و الفينول 2%  وكذلك الفورمالين 2 %.

وبائية فيروس طاعون المجترات الصغيرة وتوزيعه الجغرافي:

إن فيروس طاعون المجترات الصغيرة شديد العدوي و مهلك للماعز و الأغنام وقد تم تسجيل انتشار الفيروس بمعدالت عالية في مناطق من إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا، حيث تساهم المجترات الصغيرة في تأمين سبل العيش.,عندما يتعرض القطيع للاصابة بشكل كامل يمكن أن تكون معدلات الاعتلال و الوفيات مرتفعة للغاية,وبحسب منظمة الأغذية والزراعة (فاو) فإن فيروس طاعون المجترات الصغيرة  منتشر في نحو 70 دولة عبر إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا، ويسبب خسائر تتراوح بين 1.5 و2 مليار دولار سنويا.

طريقة  انتقال فيروس طاعون المجترات الصغيرة:

يعتبر الحليب و كل الافرازات و الاخراج من الحيوان المصاب (اللعاب و الدموع , و الافرازات الأنفية, البول و الروث) مصدرا للعدوي  حيث ينتقل الفيروس عن طريق  الاختلاط المباشر بين الحيوانات السليمة و المصابة بالفيروس واستشناق الرذاذ الحامل للفيروس أو  بصورة غير مباشرة عن طريق الاكل( المعالف)والمياة (المساقى )الملوثتان بالفيروس. حيث يدخل الفيروس من طلائيات الجهاز التنفسى والفم  ومن ثم يتكاثر الفيروس فى الغدد اللميفاوية و ينتشر عن طريق الدم الى الغدد الليمفاوية الأخرى ، الملتحمة ، التجويف الفمى ومخاطية المجرى التنفسى والأمعاء,انتشار الفيروس في الدم يصاحبه حمى ويصحب الحيوان المصاب بالفيروس  مصدرا لانتشار وتناثر الفيروس يوم أو يومين قبل ظهورالحمى ,ويؤدى تدمير الأنسجة الليمفاوية الى إحباط مناعى  ينتج عنه إزدهار طفيليات الدم وحدوث العدوى البكتيرية  الثانوية مثل الالتهاب الشعبى الرئوى .

التشخيص :

التشخيص الحقلي :

يتم إجراء التشخيص الأولي لفيروس المرض بواسطة العاملين في ميدان الصحة الحيوانيىة ( بيطريين و فنيين) من خلال التشخيص الاكلينيكي للمرض و  العلامات المرضية المميزة  و التشخيص التفاضلي مع الامراض المماثلة, و تتمثل الأعراض الإكلينيكية في  حدوث حمى  عالية مفاجئة 40 – 41,1 م , فقدان الشهية مع خمول واضح ونعاس , إفرازات الأنف  المصلية ثم تتحول الى مخاطية صديدية تغلق فتحات الأنف  ويعانى الحيوان من صعوبة التنفس والعطس, رائحة التنفس نتنة مع ضيق و عسر في التنفس , افرازات العين مصليه ثم تتحول الى مخاطية صديدية تغلق جفون العين, تظهر إصابات الفم على الشفاه واللثة وحلمات الفم واللسان وسقف الفم الصلب والرخو من سبع الى ثمانى أيام بعد العدوى  ثم يموت النسيج الطلائى حول فتحات الأنف وحول الشفايف وفى الفم وينسلخ مكونا تآكلات ,يبدأ إسهال مائى وفير قد يكون مائي متعفن أو دموي  يتزامن مع ظهور آفات تنكرزية تتركز حول المخطم,يؤدى التهاب الرئة الى الكحة والعطس , يصاب الحيوان بالجفاف والهزال وينفق فى خلال 8 أيام بعد ظهور الأعراض الإكلينيكية ,قد يشفى الحيوان من المرض الحاد ولكن يكون غير عفى يصحبة انخفاض في درجة الحرارة و النفوق التي قد تصل نسبته الي أكثر من 90% بالقطيع المصاب لأول مرة و غالبا يحدث النفوق بسبب الالتهاب الرئوى.

 الحيوان النافق حديثا يظهر عليه الجفاف و يكون ملوث بسوائل الاسهال المائي و أحيانا مدمم و ذو رائحة كريهة و عند تشريح جثة الحيوان النافق حديثا يلاحظ وجود احتقان شديد و أنزفة و تنكرز الغشاء المخاطي للمعدة الرابعة و الامعاء الدقيقة و يظهر بوضوح في الامعاء الغليظة و المستقيم احتقان قي الشعيرات الدموية علي الثنايا الطويلة له علي شكل خطوط طويلة مميزة و مشخصة للمرض تعرف بخطوط الحمار الوحشي(Zebra stripping ) هذا بالاضافة الي ملاحظة حدوث احتقان شديد بالرئتين كما هو موضح بالصور.

التشخيص المعملي :

 يعتبر التشخيص الاكلينيكي للمرض مؤقتا لحين التأكد من وجود الفيروس بعد إجراء الاختبارات المختبرية الفعالة ذات الموثوقية  التي تتميز بالتشخيص المحدد و السريع وتشمل الاختبارات المصلية المستندة إلي أجهزة (ELISA)للكشف عن الأجسام المضادة أوانتيجين الفيروس , تحديد الفيروس عن طريق تضخيم الحامض النووي باستخدام اختبار تفاعل انزيم البلمرة المتسلسل حقيقي الوقت (RT-PCR ) ثم تأكيد وجود الفيروس من خلال الغزل علي خلايا الزرع النسيجي   وتحليل التتابع الوراثي و التنميط الجيني .

فيروس طاعون المجترات الصغيرة في جمهورية مصر العربية :

إن مصر معرضة لتهديد مستمر لإنتشار فيروس طاعون المجترات الصغيرة وذلك نتيجة طبيعة فيروس المرض حيث أنه من الفيروسات العابرة للحدود بالاضافة الي عدم القدرة علي التحكم في حركة الحيوانات والتجارة في المجترات الصغيرة القائمة بين مصر و الدول المجاورة خاصة السودان , ومن خلال عدة دراسات استقصائية في السنوات الأخيرة عن فيروس المرض تبين حدوث معدل معدي ونفوق في الأغنام و الماعز التي ظهر عليها أعراضا تنفسية و معوية و قد ظهرت شدة هذه الأعراض علي الماعز بنسبة كبيرة ثم بدرجة أقل في الأغنام وقد سٌجل انتشار المرض في محافظات مختلفة ,وتم إستخدام الطرق الحديثة للتشخيص الدقيق للفيروس مثل اختبار الاليزا المناعي الأسري لفحص عينات الدم لاكتشاف انتيجين الفيروس , اختبار الاليزا المناعي التنافسي يستخدم لاكتشاف الأجسام المناعية المضادة للفيروس, اختبار تفاعل انزيم البلمرة المتسلسل حقيقي الوقت يمكن أيضا استخدامه أيضا للكشف عن الحامض النووي للفيروس , إضافة الي ماسبق يمكن ايضا عزل الفيروس من خلال التمرير علي خلايا الزرع النسيجي Vero cells)/خلايا الكلي المستخلصة من القرد الإفريقي الأخضر) من خلال ثلاث تمريرات متتالية مع ملاحظة حدوث الاعتلال الخلوي  لخلايا الزرع النسيجي تمثل في ظهور جميع الخلايا مستديرة ومتجمعة مع بعضها وبين هذه التجمعات فراغات كبيرة مع بداية تساقط الخلايا ( ماجد نافع , 2019 ).

التحكم و السيطرة علي فيروس طاعون المجترات الصغيرة :

ترتكز مكافحة و استئصال فيروس طاعون المجترات الصغيرة علي نظام فعال للمراقبة الوبائية علي الصعيدين الوطني و الاقليمي ,ويتألف نظام المراقبة الوبائية من أنشطة المراقبة الوبائية العامة التي تعتمد علي الابلاغ عن المرض و المعلومات المتعلقة بالمرض و التي تشمل  تقييم الحالة الصحية للقطيع بما في ذلك جمع البيانات الأساسية , تحديد ورصد انتشار و توزيع  وحدوث المرض, عزل الحيوانات المصابة عن السليمة, دفن الحيوانات النافقة أو حرقها , العمل علي التطهير و التعقيم , التلبيغ الفوري لأقرب وحدة بيطرية , الكشف المبكر عن ظهور المرض باستخدام الاختبارات المخبرية الفعالة التي تتسم بالدقة و السرعة  و أخيرا استخدام التطعيم الفعال للوقاية من الاصابة بالفيروس و الحد من انتشارة.

الوقاية من فيروس طاعون المجترات الصغيرة:

التطعيم هو العامل الرئيسي للوقاية من و مكافحة فيروس طاعون المجترات الصغيرة في  المناطق عالية الخطورة أو في المناطق الموبوءة وتتوافر اللقاحات الحية الموهنة التي تتسم بالكفاءة لاستئصال فيروس المرض والتي بامكانها أن تحفز المناعة و الوقاية طوال فترة حياة الحيوانات التي تم تحصينها,وتعتبر عملية التلقيح الشامل هي التحدي الأكبر لاسيما في المناطق النائية و في قري الانتاج للمربين من أصحاب الحيازات الصغيرة .

اللقاحات المستخدمة يجب أن تكون قد اجتازت اختبارات الجودة لمركز عموم افريقيا للقاحات البيطرية التابع للاتحاد الافريقي,و تتطلب اللقاحات الحية الموهنة المتاحة حاليا الي الحفظ في درجات حرارة منخفضة دون انقطاع في سلسلة التبريد من الانتاج إلي أن يتم تطعيم الحيوانات بها لتجنب تعطيل درجات الحرارة المطبقة في عملية الحفظ .

 ومن الناحية التجارية فان اللقاحات المتاحة في شكل مجمد- مجفف مستقرة علي الأقل لمدة سنتين عند درجة حرارة2-8 درجات مئوية و لعدة سنوات عند درجة حرارة – 20 درجة مئوية , وعند اعادة اللقاح مرة اخري يجب أن يتم استخدامه في أسرع وقت ممكن دون ان يتجاوز 30 دقيقة بعد إعادته.

 ويجب الوضع في الاعتبار مستقبلا اعتماد الإتزان الحراري في العملية التقنية للانتاج في التصنيع الجاري للقاحات طاعون المجترات الصغيرة والذي سيحسن بالطبع من نوعية اللقاحات المتوفرة في المواقع التجارية لطاعون المجترات الصغيرة ويمكن من زيادة تغطية عملية التحصين . ويجب أيضا تقييم مابعد عملية التطعيم  من خلال استخدام عدة نهج لتقييم فعالية حملات التلقيح وتشمل الدراسات الاستقصائية المصلية لما بعد التطعيم (الرصد المصلي) .

إن جمهورية مصر العربية  من بين الدول التي وقعت على الخطة العالمية للقضاء على مرض طاعون المجترات الصغيرة 2030 ,وتشمل الخطة تنفيذ حملات للتحصين ضد المرض، حيث تنفذها مصر مرة كل عام وتحديدا في سبتمبر أو أكتوبر,و يلعب معهد بحوث الامصال واللقاحات البيطرية بالعباسية دورا هام فى إنتاج اللقاحات والامصال لحمايه الثروة الحيوانية ومن أمثله هذة اللقاحات لقاح طاعون المجترات الصغيرة وهو لقاح حي ممن يوفر الحماية لمدة عام.,ويتوفراللقاح طوال العام لتحصين مواليد الأغنام والماعز عند عمر 4 شهور, وخلال عام  2023تم تطعيم ربع مليون جرعة ضد مرض طاعون المجترات الصغيرة وهو يتم بشكل مجاني.

إن فيروس طاعون المجترات الصغيرة قد تم تسجيل انتشارة في محافظات عدة في الوجه البحري في السنوات الأخيرة  بعد أن كانت مصر خالية من هذا الفيروس عام 2010 وفقا لتقرير المنظمة العالمية لصحة الحيوان و هذا يحتم وضع استراتيجية للتحكم في المرض و إجراء برنامج تحصين منتظم و فعال لحماية الحيوانات الأكثر عرضة للصابة بالفيروس ( الماعز و الأغنام) .و من ناحية أخري يلزم إجراء دراسات مستقبلية متقدمة عن اصابة الجمال بهذا الفيروس خاصة أنه تم تشخيصه و عزله من الجمال في دول الجوار مثل السودان و أثيوبيا.