شهدت أسعار الدواجن والبيض قفزة كبيرة فى الأسواق بصورة لم يسبق لها مثيل، مما أدى إلى تأثر دخل الأسر المصرية، خاصة وأن الإنتاج الداجنى يعتبر ثانى مصدر رئيسى للبروتين الحيوانى، وأرخصها سعراً، وتعتبر صناعة الدواجن من أهم الصناعات فى مصر، والتى أحرزت فيها تقدماً كبيراً، حيث وصلت إلى مرحلة الاكتفاء الذاتى منها، ولاشك أن التغييرات العالمية التى تحدث الآن من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وارتفاع سعر الدولار، ستكون لها انعكاساتها على هذه الصناعة الهامة، وذلك لأنها تعتمد فى نحو 65 % من مدخلاتها على الاستيراد من الخارج، خاصة بالنسبة لفول الصويا والذرة الصفراء ومركزات الأعلاف وبعض الأدوية البيطرية.

تكاليف الإنتاج

كشف الدكتور عبد العزيز السيد رئيس شعبة الثروة الداجنة بالغرفة التجارية بالقاهرة – وعضو لجنة متابعة السلع الغذائية بمجلس الوزارء، أن السبب الرئيسى لارتفاع أسعار الدواجن هو ارتفاع تكاليف الإنتاج، ومنها زيادة مدة التدفئة، بسبب صعوبة الطقس نتيجة للانخفاض الشديد فى درجات الحرارة خلال فصل الشتاء هذا العام، مما استوجب تدفئة الدواجن على مدار الـ 24 ساعة، وهذا أدى إلى تضاعف تكلفة التدفئة للكتكوت من 5 إلى 10 جنيهات، بالإضافة إلى وجود أمراض وبائية أدت إلى زيادة نسبة النفوق، خاصة فى قطاع التسمين، والتى تراوحت مابين 16% – 20 %، وبالنسبة لقطاع البياض فقد انخفض إنتاجها من البيض، ما أدى إلى حدوث خسائر كبيرة فى الإنتاج بلغت نحو 40 %، مما أدى إلى ارتفاع أسعار البيض.

وأضاف كذلك نشوب الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وما ترتب عليه من ارتفاع فى أسعار الأعلاف، حيث ارتفع سعر طن العلف لنحو 1000 جنيه، ثم جاء ارتفاع سعر الدولار، مما أدى لحدوث ارتفاع آخر فى أسعار الأعلاف، لتصل الزيادة خلال هذه الفترة الوجيزة لنحو 2200 جنيه للطن.

حلول المنتجين

وأوضح رئيس شعبة الثروة الداجنة، أن المنتجين قاموا بوضع حلول لمواجهة هذه المشكلة، من خلال إدخال قطعان جديدة، وذلك لزيادة الطاقة الإنتاجية بالمزارع، واستقرار السعر، ونتيجة لذلك تراجعت أسعار البيض والدواجن إلى حد ما، هذا إلى جانب التحركات الإيجابية للدولة، بضخ كميات كبيرة من السلع الاستراتيجية بجميع منافذ البيع الخاصة بها فى المجمعات الاستهلاكية.

وشدد على ضرورة أن تكون هناك رقابة صارمة على مدخلات الإنتاج، للحد من استغلال المستوردين، الذين قاموا بحجب مستلزمات الإنتاج مما أدى لارتفاع أسعارها، لافتاً: رغم أن هناك احتياطياً استراتيجياً آمناً من السلع الرئيسية، ومنها الأعلاف يكفى الاستهلاك بما لايقل عن 6 شهور، وذلك وفقاً لتعليمات الرئيس عبد الفتاح السيسى، مؤكداً أن الرقابة ستؤدى إلى تخفيض وضبط أسعار مخرجات الإنتاج، مشيراً إلى أن مصر لديها الوقت الكافى لدراسة الوضع إذا ما استمرت الحرب بين روسيا وأوكرانيا، للتوجه لاستيراد فول الصويا والذرة الصفراء من دول أخرى؛ لتلبية احتياجات صناعة الدواجن.

غير المبرر

وأكد الدكتور مجدى عودة مدير إحدى محطات إنتاج الدواجن، أن المشكلة تكمن فى ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج، من أعلاف وأدوية وعمالة وكهرباء ومياه وخلافه، موضحاً أن طن فول الصويا أخذ فى الارتفاع من 10 آلاف جنيه إلى 11.250 جنيه، حتى وصل مؤخراً إلى 12.500 جنيه، وهذه الزيادة تمثل عبئاً كبيراً على المربى، مما يضطره إلى رفع سعر المنتج حتى يستطيع الاستمرار فى العملية الإنتاجية، وهذا بالطبع سيؤثر على المستهلك.

وطالب “عودة” بتكثيف الرقابة على التجار؛ لمواجهة الارتفاع غير المبرر للمنتجات الغذائية، شارحاً حيث ارتفع سعرالأعلاف بسبب ارتفاع سعر الدولار بالأمس القريب، ومنطقياً أن هذا لايستشعر به المربى فور حدوثه، حيث إن هذه المنتجات لم تدخل مصر بالسعر الجديد حتى الآن، متسائلاً: فلماذا ترفع شركات الأعلاف السعر من الآن؟! رغم أن هذه الخامات موجودة بالفعل وتم التعاقد عليها قبل الزيادة، وهى تغطى احتياجات الصناعة لمدة 6 شهور مقبلة، مطالباً بتدخل الدولة للحد من هذه المهزلة، مؤكداً أن المشكلة الراهنة رقابية، وليست بسبب ارتفاع سعر الدولار الذى سيؤدى إلى زيادة سعر المنتج فى حدود 10% تقريباً، لكن فى الواقع هناك مبالغة من التجار فى تحديد الأسعار.

كما طالب بتشديد الرقابة على من يقومون بتحديد أسعار المنتجات، كاشفاً أن العمل ببورصات الدواجن والبيض يتم بصورة عشوائية، مطالباً بتدخل الدولة ووضع حد معين للأسعار، بما لايضر بمصلحة المُنتِج والمستهلك، وأن تكون هناك منظومة واضحة، وممثل للحكومة داخل هذه البورصات للإشراف والرقابة، والتأكد من عمل آلية السوق فى أجواء صحية، دون احتكارأو استغلال أو عشوائية من التجار، لتحديد سعر عادل للمنتج.

وأضاف: وأن تكون هناك رقابة أيضاً على الخامات الواردة من الخارج من مدخلات الإنتاج الداجنى، والتى تمثل نحو 65 % من مدخلات صناعة الدواجن، والتى من أهمها: فول الصويا والذرة الصفراء وبعض مركزات الأعلاف ونسبة كبيرة من الأدوية البيطرية، وذلك حتى لاتكون هناك مبالغة فى تحديد أسعارها، كما طالب بضرورة التوسع فى زراعة الذرة الصفراء وفول الصويا بالأراضى الجديدة، ووضع خطة للوصول إلى الاكتفاء الذاتى من هذه الحاصلات للحد من استيرادها تدريجياً.

وقال المهندس عبد العزيز إمام مدير عام الإدارة العامة للأعلاف بوزارة الزراعة، أن صناعة الدواجن عبارة عن مدخلات وإنتاج، فإذا كانت قيمة المدخلات أعلى من الإنتاج ستكون هناك خسارة، وأن سعر الأعلاف تضاعف منذ أزمة كورونا، فى حين أن سعر الدواجن لم يرتفع بهذه النسبة، وأن تكلفة العلف تعادل نحو 70% – 75% من تكاليف الإنتاج، حيث تستهلك الدجاجة من 3.5 – 4 كيلو علف تقريباً لإنتاج 2 كيلو من اللحوم، مضيفاً: فإذا ما حسبنا تكاليف تغذية الدجاجة الواحدة نجدها نحو 40 جنيهاً، حيث إن سعر كليو العلف يبلغ 12 جنيهاً، بالإضافة إلى 12 جنيهاً سعر الكتكوت، و12 جنيهاً أخرى تدفئة وغاز وكهرباء، وهذا يعنى أن تكلفة الدجاجة تصل إلى 64 جنيهاً، فضلاً عن ارتفاع نسبة النفوق فى الشتاء بسبب الأمراض الفيروسية مثل: الانفلونزا والنيوكاسل، التى تنتشر فى هذا الموسم بسبب الرياح وبرودة الطقس.

وأردف أن سعر المنتج بعد ارتفاع سعر العلف أصبح غير مجزٍ، خاصة مع ارتفاع كل عناصر الإنتاج الأخرى، حيث إن مايعود على المربى فى نهاية الدورة، التى تستغرق 40 يوماً من العمل المتواصل، من تغذية وتدفئة وعلاج وخلافه هو 3 جنيهات للدجاجة، ودورة رمضان والمواسم بصفة عامة هى التى تحقق عائداً للمربى، نتيجة لارتفاع نسبة الاستهلاك، أما باقى العام فيتعرض المربى فيه لانخفاض الاستهلاك أو ضعف العرض وهكذا.

وتابع: نهدف لمساعدة المربى على الاستمرار فى الإنتاج، وتحقيقه لهامش ربح، حتى لاتضطر الدولة إلى استيراد الدواجن من الخارج بالعملة الصعبة، كاشفاً أن معظم الربح يذهب إلى الوسطاء، فى الوقت الذى يحصل فيه المنتج على 3 جنيهات فى الدجاجة، وهو يعد هامش ربح معقولاً بالنسبة له، يحصل الوسطاء على 12 جنيهاً فى الدجاجة وزن 2 كيلو، وهذه هى الفجوة فى السعر، حيث يحصل الوسطاء على 6 جنيهات فى كيلو الدجاج، ولو علمنا أن الطاقة الإنتاجية هى 4 ملايين دجاجة فى اليوم، فهذا يعنى أن الوسطاء يتقاضون 48 مليون جنيه فى اليوم، من تجارة الدواجن وهم المستفيد الأول، إذن المشكلة فى الوسطاء وليست فى المربى، والحل يكمن فى كسر حلقة الوسطاء لأنهم السبب فى تذبذب سعر المنتج، وخسارة المربى واستغلال المستهلك.

ولفت إلى أن حل مشكلة إنتاج الدواجن يتمثل فى خلق منظومة تسويقية جيدة وإعلان السعر، تتبناها الحكومة ممثلة فى: الاتحاد العام لمنتجى الدواجن، ووزارتى التموين والزراعة، وممثل للمربين، وإنشاء قاعدة بيانات، وذلك لحماية المربى والمستهلك من تحكم التجار فى سعر السوق، مطالباً بزيادة الإنتاج الزراعى بصفة عامة للحد من الاستيراد والتأثر بالتغييرات العالمية.

مرحلة صعبة

وفى النهاية أوضح دكتور مجدى حسن رئيس قسم بحوث تربية الدواجن بمعهد بحوث الإنتاج الحيوانى، أن مصر تمر حالياً بمرحلة صعبة، فى ظل ارتفاع أسعار الأعلاف والخامات التى تدخل فى تركيب العلائق الخاصة بتغذية الدواجن، مشيراً إلى أنها وصلت لمرحلة الاكتفاء الذاتى من لحوم الدواجن، وكانت تسير فى اتجاه الاكتفاء الذاتى من بيض المائدة، باعتبارهما من أرخص مصادر البروتين الحيوانى المتوافرة للمستهلك المصرى، لافتاً أن مزارع الدواجن بدأت تستعيد نشاطها بعد جائحة أنفلونزا الطيور، ومع الزيادة التدريجية فى إنتاج المزارع.. سواء من الدواجن أوالبيض، بدأت مصر تصل لمرحلة متقدمة من الاكتفاء الذاتى مرة أخرى من هذيْن المنتجيْن.

وأفاد: يعتبر المعهد جهة إرشادية يستعين بها مربو الدواجن من أصحاب المزارع، بالنسبة لأفضل السبل فى تغذية الدواجن، وكيفية الحصول على أعلى إنتاجية من المزرعة، حتى يصبح المشروع مصدراً للدخل، وإمكانية إيجاد بدائل غذائية أخرى، بعيداً عن الفول الصويا والذرة الصفراء، كخامات تدخل فى تركيب علائق الدواجن بسعر رخيص، وغير ذلك من التساؤلات التى يتم طرحها من قبل أصحاب المزارع، ويجيب عنها الباحثون والمختصون.